استخدمت كلمة غسيل المخ لاول مرة بواسطة الصحفي الامريكي “ادوارد هنتر” “Edward hunter” في ترجمته للكلمة الصينية (هسى ناو) (hsi nao) المستخدمة للتعبير عن النظرية الصينية “اصلاح الفكر” او “اعادة التشكيل الايديولوجي” في مجال (سزو هسينج كاي تساو) (szu hslang kai tsao) اي برنامج التثقيف السياسي الذي يقوم اساس على ان كل الناس الذين لم يثقفوا في المجتمع الشيوعي لابد ان يكون لديهم اتجاهات ومعتقدات بورجوازية ومن ثم يجب اعادة تثقيفهم قبل ان يحتلوا مكانهم في المجتمع الشيوعي
صفحة ٣٠
استخدم الفكر اشيوعي اسلوبين في غسيل المخ
١- الاعتراف: وذلك بالكشف والتصريح عن كل شر ارتكب في الماضي والحاضر
٢- اعادة التعليم والتثقيف: او بمعنى ادق اعادة تشكيل الفرد في الطابع الشيوعي الصحيح
هذان العنصران يترابطان بل يتدخلان، مع ان كلا منهما يبرز على المسرح سلسلة من الضغوط والعوامل الثقافية والعاطفية البدنية التي تهدف كلها الى السيطرة الاجتماعية والى تغيير الفرد
صفحة ٣٢
من اساليب غيسل المخ
١- عزل الشخص عن الحياة العامة
وذلك بان يزج بالفرد في زنزانة ذات ابواب حديدية وفي داخل اسوار حديدة بعيدة عن كل معارفه القدامى وعن كل مصادر المعلومات وصور الحياة العادية وهو في هذه الحالة يصبح نهبا للتعليقات والتحذيرات المفزعة ويغطى عقلة بغيوم تحجب عنه مايدور خارج سور زنزانته ولم يختلف التكنيك الذي يستخدم اليوم عن ذلك الذي استخدم ايام محاكم التفتيش او الذي استخدمه النازيون مع اسرهم في معسكرات الاعتقال
لقد كان يترك الاسير لمدة طويلة دون ان توجه اليه اي اتهامات ودون السماح بتسرب اي اخبار اليه عن اسرته او عن العالم الخارجي فيشعر الفرد بانه الصبح وحيدا في هذا العالم ولا يوجد بجواره من يستطيع ان يعاونه في محنته ويشجع على ذلك ان اخلص اصدقائة واحبائه عادة لاتواتيهم الجراة ليسالوا عن مكانه او يشيروا الى انهم على معرفة به خشية التعرض للاعتقال والاستجواب ومن ثم يتم عزله
وبعد فترة من القلق المستمر وبتطبيق بعض الاساليب بعد ذلك يبدا الاستجواب ومن المحتمل ان يتحطم الانسان تلقائيا وبدرجة ملموسة نتيجة القلق والتفكير الطويل فيما يعترف به ويصبح في حالة ياس وتعاسة
وغالبا ما يناله الضعف والوهن نتيجة هذه الالام الطويلة وما يصاحبها من ضغط فسيولوجي بحيث يصبح عقلة ملبدا بالغيوم فلا يستطيع ان يميز اي شيء ويهبط الى قراره نفسة اي ايحاء يقدم اليه بواسطة الاجبار او الحيلة
وهناك وسيلة معروفة استخدمت في السجون السياسية وهي ان يوحى الى السجين بان بلاده لم تعد ترفع صوتا واحدا من اجلة وان محبية واصدقاءه تخلوا عنه مما يجعله يشعر بانه اصبح وحيدا تماما فينقاد الى المحاكمة المحزنة مسلوب الارداة تحت اشد الظروف وطاة وعنفا
ويصف “ادوارد هنتر” ذلك بقولة: لايهم ان يكون الرجال الذين قابلتهم قدا جاءوا من دولة في اوروبا او من الصين الحمراء فقد اخبرهم غاسلو المخ بان بلادهم وكنيستهم واصدقاءهم تخلوا عنهم وخانوهم وبذلك يداخلهم الشعور بانه اصبحو وحيدين.. لقد تشبع ذهن “روبرت فوجيلير” من “بودابست” بهذا الانطباع لدرجة انه حاول تسلق السور والقاء نفسة منتحرا للتخلص من تلك الوحدة الرهيبة وقد قيل ذلك ايضا الى “روبرت ت بريان” من ولاية “جيرسي” وهو محامي امريكي ولد بالصين في شنغهاي كما قيل نفس الشيئ لاسرى الحرب في كوريا
٢- الضغط الجسماني
يتفاوت من الحرمان من الطعام ومن النوم الى التصفيد بالاغلال كعقوبة لعدم التعاون مع المستجوب والهدف من هذا كله هو الوصول بالفرد الى درجة من الاعياء والانهيار بحيث يكون عقلة قابلا لتقبل اي توجيه من المستجوب والواقع ان الجوع يلعب دورا اساسيا في عملية غسيل المخ لان الانسان لايستطيع ان يستمر في حياته العادية دون احوال بيولوجية معينة منها الغذاء اللازم لبناء خلايا الجسم وتجديدها والتغذية السليمة، هنا ليست بكيمة الغذاء الذي تمتلئ به المعدة فاننا نعرف ان الجسم يحتاج الى نسبة معينة من المواد العضوية والفيتامينات التي تمكنة من تادية وظيفته
وقد استخدم التجويع بهذا المعنى كعنصر من عناصر عملية غسيل المخ اذ كان يعطى للسجين ما يكفيه من اطعمة تمكنة من البقاء على قيد الحياة وليس بالكمية التي يتطلبها الجسم لجعل ذهنه يؤدي وظائفة بدرجة كافية وكانت الاطعمة التي تقدم له تعدل بين فترة واخرى لتحقيق الهدف المطلوب اذ كانت نسب الطعام توضع تبعا لصفات المقاومة التي يتصف بها الفرد فكلما ازدادت مقاومته تعمد المستجوبون تجويعه
ان الجوع يجعل الانسان يسير نحو حتفه بمحض ارادته بل قد يدفعه اذا وصل الى درجة مفزعة الى ان يتخلى عن معقتداته وقيمه وخاصة اذ عاون ذلك ظروف مضنية اخرى
والاجهاد لايقل تاثيرا على الانسان عن الجوع بل قد يزيده اذ ان الجسم يحتاج يوميا لعدد معين من الساعات للراحة والنوم وقد يظل بعض الناس في فترة من الفترات دون نوم لمدة يوم كامل وظل الكثيرون على قيد الحياة بقسط لايذكر من النوم الا ان الاستمرار في ذلك من شانه ان يقضى على صفاء الذهن ويؤدي باقوى الاشخاص الى الجنون والانتحار لان الانسان يصل في النهاية الى درجة من الانيهار وتشويش ملكاته العقلية وفقدان كل احساس
ويشير الدكتور “هنري ب لوجين” “henry p Laughiin” الاستاذ بكلية الطب بجامعة جورج واشنطون في مناقشة لدراسة اكلينيكية الاثر اطالة فترات اليقظة على الانسان بقولة ان مثل هذه الحالات تؤدي الى فقدان الاحساس بالواقع وتشويش الملكات العقلية فيصبح الفرد كالحالم في حالة انفصال عن الالم والفرد الذي عانى الحرمان من النوم يصبح اكثر قابلية لتقبل الايحاء واكثر استعدادا لتنفيذ تعليمات الذين يطلبون منه ان يسلك سلوكا معينا كما يقل احتمال مقاومته لمطلب اي انسان من ذوي السلطة
ويستغل المستجوبون في السجون السياسية هذا كلة مهيئين بيئة يصبح فيها النوم شبه مستحيل اذ يوقظون الفرد في ساعة غير عادية او يجبرونه على الاستيقاظ كلما نام و يوقظ في غلظة وخشونة ثم يستجوب لفترة ويعاد ثانية لزنزانته والهدف من هذا كلة هو اجهاد المتهم او الاسير حتى يصل في النهاية الى درجة من الانهيار تمكن المستجوب من الايحاء اليه بما يريد
٣- التهديدات واعمال العنف
يتخذ هذا الاسلوب شكلين متناقضين فاما ان يكون مباشرا كاستخدام العنف والضرب و الركل حتى الموت وربط السجين بشدة الى اسفل بحيث لايستطيع الحراك ثم يوضع حجر ثقيل فوقه ويترك هكذا لمدة طوية الى غير ذلك من الوسائل غير الانسانية واما ان يكون التهديد والعنف بشكل غير مباشر فمثلا قد يتحدث المستجوب مع السجين بمنطق هادئ بينما يجعله يكشف عن طريق شخص اخرى ان صديقه الذي لم يتعاون قد ضرب او اعدم وكانت لهذه الطريقة وسائل كثيرة فمثلا قد يعمال الفرد معاملة ودية طبية ويتكرم المستجوب فيعطيه لفافة تبغ وفي اثناء الحديث يسمع هذا الفرد زميلة في الغرفة المجاورة يصرخ من الالم لرفضة الاجابة عن نفس الاسئلة الموجة اليه او ان يوضع عدد من الاسرى في زنزانة واحدة وعندما يعود احد الزملاء مخضبا بدمائة كقطعة من اللحم او تعاد ملابسه في لفافة صغيرة يكون هذا كافية للاخرين كصورة من التهديد غير المابشر
ومن الاساليب الوشحية التي تستخدم في مثل تلك الحالات وضع الفرد في غرفة على شكل اناء كبير ثم يوثق داخل الاناء بحيث لايستطيع التحرك ويصب الماء بعد ذلك ببطئ داخل الاناء حتى يصل مستوى الماء الى طرف انفه على ان الشخص الذي تقام علية هذه التجربة وتتكرر لفترات طوية قد تصل الى اشهر لايستطيع في كل مرة ان يعرف عند اي مستوى سيصل الماء فتراه يقف المستوى عن عقبيه واحيانا يصل الى فمة مما يجعله يصارع بشدة لابقاء راسة خارج مستوى الماء ومن هذه الاساليب نفسها مثل ماخوذة من الحرب العالمية الثانية اذ يجرد اسير الحرب من ملابسه ويوضع في العراء في طقس درجة حرارته تحت الصفر ثم يدلي بقدمية في حوض كبير ممتلئ بماء سرعان ما يتجمد او يوضع الاسير في احد الاركان ويستجوب في اثناء تساقط قطرات من الماء فوق راسه كل دقيقة ويستمر ذلك لساعات كاملة
٤- الاذلال والضغوط
تعتمد هذه الوسية على اتباع كل نظم السجن التي تتطلب الخضوع التام مع الاذلال في اسلوب تناول الطعام والنوم والاغتسال وما الى هذا طبقا لنظم محددة مع عدم القايم باي عمل دون الحصول على اذن من الحارس واحناء الراس وابقاء الاعين موجهة الى الارض اثناء التحدث الى الحراس
كما تستخدم الضغوط الاجتماعية مثل الاستجواب لمدد طويلة ومثل عقد اجتماعات يحاول فيها الافراد الذين تقدموا في عمليات التقويم حث الافراد الاقل تقدما باستخدام عدة وسائل مختلفة كالتملق والمداهنة والازعاج والمضايقة او محاولة اذلالهم وسبهم
٥- الدروس الجماعية
واستخدمت الدروس الجماعية اليومية في الصين حيث كانت تدرس العقدية الجديدة بواسطة قراءات ومحاضرات تتبعها اسئلة ليثبت كل فرد هضمة للدراسات التي يتلقاها على ان يتبع هذا بمناقشات يُطلب فيها من كل فرد ان يوضح كيف يستنبط الاهداف من مقدمات الدراسات الشيوعية وكيف يمكنة ان يطبيقها هو بالنسبة لنفسة ويعتبر النقد المتبادل ونقد النفس جزءا هاما من المناقشات التي تجري بين افراد الجماعة
وفي هذه الجلسات يمارس موظو السجن والزملاء في زنزانات السجن ضغطا مستمرا على السجين لجعله يعيد تقييم ماضيه من وجهة النظر الشيوعية ليتحقق من اثمه ويعترف بجريمته
وتعرف الجرائم في هذه العملية بانها افعال او افكار تضر بصورة او باخرى بقضية الشيوعية كما يتضمن الاعتراف حوادث واقعية فعلا ويجب ان يوضح الفرد الاخلاص والوفاء وذلك بالتشهير بالواليدين والاصدقاء والاقارب والمعارف وعندما يدرك السجين جرمة واثمة اي عندما يتقبل التفسير الشيوعي للاعمال ويقوم باعتراف مرضي مقبول ويبت ما يوضح تغيير اتجاهه وتبدل وجة نظره، يقدم لممحاكمة فيحكم علية بعد ادانته بما اعترف به من جرم ثم يحكم علية بجزاء لين نتيجة لانه قد تم تقويمة ويستغرق هذا التقويم من نصف سنة الى اربع سنوات او اكثر
الصفحات من صفحة ٣٢ الى صفحة ٣٨
صفحة ١٩٠
ومن الاساليب المؤثرة الاخرى التي استخدمت لجعل الجنود يشكون في معقتداتهم وفي القيم التي يؤمنون بها، محاولة جعلهم يعترفون علانية باخطاء اقترفوها ثم انتقاد انفسهم وفي طوال الوقت الذي قضاه الاسرى في المعسكر ُطلب منهم ان يمروا بهذه الطقوس المرة تلو الاخرى ولقد كان على الاسير ان يعترف باقل الاخطاء واتفهها
صفحة ١٩٢
وكان في هذا “المحو لاثر النفس” او بمعنى ادق “طمس النفس علانية” اذلال للشخص واهدار لكارمته كما انه يعتبر سابقة سيئة لأولئك الذين كانوا يحاولون مقاومة التكيف على انه قد نظر في البداية الى ان كتابة الاعترافات وقراءتها علانية ونقد النفس في المعكسر مسالة لا اهمية لها اذ ماقورنت في ما يحتمل من توقع عقوبات بدينة او تعذيب او سجن ومع ذلك فان هذا الاسلوب على بساطته كان يمكن ان يتحول الى تعذيب سيكولوجي بمجرد ان يتم الاذعان الاول من جانب الاسير
المؤلف: صلاح نصر
اسم الكتاب: الحرب النفسية معركة الكلمة والمعتقد الجزء الثاني