أشار كثير من الباحثين والمهتمين إلى الآثار السلبية التي يحدثها التلفزيون بالنسبة للأطفال، وبينوا أن القيم التي يبثها التلفزيون هي بمثابة ركام هائل من الغث والسمين جنباً إلى جنـب بـدون مغـزى أو هويـة، إذ تتوالى الإعلانات والموسيقى والأغـاني والتمثيليات والخطب السياسية والصور الرخيصة وحيث يرتفع هذا الركام في شكل أكوام دون احتفال أو تمييز وبـلا اكتراث أو مبالاة، يصاب الطفـل بانعدام الـوزن وتتعطل لديه حاسة التمييز.
وقد ثبت أن الأطفال يحفظون أغاني الإعلانات ويرددون شعاراتها، وبذلك ترسخ في نفوسهم قيم غريبة، تتناقض تماماً مع قيم الأسرة والمدرسة. ومن الملاحظ أن الدور الذي تلعبه المدرسة يأخذ في الانحسار يوماً بعد يوم، في حين أن التلفزيون تزداد أهميته ويعمق أثره ويهدد التربية الإيجابية بكثير من العوامـل السلبية.
كتاب الاتصال وقضايا المجتمع – استاذ دكتور تيسير ابو عرجة – صفحة ١٣٨
وأشار بعض الباحثين إلى نوع من العلاقة بين المواد الدرامية التلفزيونية وبين انحراف الأحداث، قائلين إن عمليات الخطف والسرقة والعنف التي تعرض على شاشة التلفزيون تؤثر تأثيراً مباشراً على نفسية الطفل وسلوكه(2). وتتضح خطورة برامج العنف في التلفزيون من النتائج التالية التي توصل إليهـا بعض الباحثين:
1. إن بعض الأطفال الصغار وقليلاً من الكبار يخلطون بين عالم الواقع وعالم الخيال، ويقلدون الأعمال العدوانية التي يرونها في التلفزيون في تصرفاتهم العادية في الحياة.
2. الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون وفي نفوسهم ميـل نحـو الاعتـداء يحتمـل أن يتذكروا الأعمال العدوانية وأن يقوموا بمثلها إذا أحسوا بميل للاعتداء.
3. بصرف النظر عن المبادئ الأخلاقية والقيم، نجـد الأطفال على استعداد لتذكر العنف واستعمال أساليبه.
4. يرغب الأطفال أن يكونوا مثل الشخصيات الناجحة التي يرونها في الخيال ويميلون إلى تقليدها سواء أكانت شريرة أم تعمل في جانب الخير. وقد تساءل عالم الاتصال الأمريكي (تشارلز رايت) قائلاً(3): هـل هنـاك صـلة ذات دلالة بين التعرض للأجهزة والسلوك المنحرف؟ هـذا هـو السؤال الذي تركـز حوله معظم الخلاف الرئيسي بين الخبراء، بعض الخبراء يـرى عـن يقين أن لأجهـزة معينة تأثيرات ضارة أمرها بين لا يحتاج إلى دليل.
وكان لبعض الخبراء الآخرين ممـن يتحفظون فيما يتعلـق بـدور الأجهـزة في الجنوح رأي آخر، فهم يخشون أن يؤدي التحفيز العام من الأجهزة إلى تحويل الأنظـار عن أسباب الجنوح الأخرى مثل العلاقات العائلية المضطربة أو تأثير عصابات الحي أو الخلل العاطفي للفرد أو الشعور بعدم الأمن.
كتاب الاتصال وقضايا المجتمع – استاذ دكتور تيسير ابو عرجة – صفحة ١٣٩
وهناك رأي شائع بأن مضمون الاتصال الذي قد يبدو للمراقب ضاراً قـد يـكـون في حقيقة الأمر مؤدياً لوظيفة الردع من الانحراف، وذلك بتخليص صدور الشباب مـن نزعاتهم العدوانية عندما يشاهدون مثلاً فصول العنف في الأفلام، وهناك رأي آخـر يشترك فيه عديد من الخبراء وهو أن مثل هذه المواد يختلف تأثيرها باختلاف الأشخاص فالراشد العادي مثلاً قد لا تؤذيه مشاهد العنف ولكن الطفل المختل الشعور أو عـصابة الأطفال قد تلهب خيالهم مثل هذه المشاهد أو تدعم نزعاتهم الانحرافية. وأخيراً يرى بعض الناس أن الخطر الكامن في بعض أجهزة الاتصال من حيـث إضـرارها بالـصغار لا يمكـن الـسكوت عليـه، بـل يقتـضـي تـدخل المجتمع واتخاذه الإجراءات المناسبة.
وتجب الإشارة إلى أن عديد، القنوات الفضائية تقـدم درامـا تلفزيونيـة مـشبعة بالكثير من القيم السلبية الغريبة عن الشخصية العربية والإسلامية، تقـوم ببثهـا علـى مدار الساعة، ناهيك عن تلك الفضائيات التي تخلو من أية مضامين ثقافية أو فكرية، وتركز على برامج المسابقات أو الكليبات الغنائية، والبرامج المعلبة.
كتاب الاتصال وقضايا المجتمع – استاذ دكتور تيسير ابو عرجة – صفحة ١٤٠