إن التعبير عن الذات لدى الإنسان هي حاجة فطرية بحد ذاتها، وهي بقدر ما هي حاجة اجتماعية، فهي حاجة نفسية أيضاً، فالإنسان ينزع للتعريف بنفسه والإعلان عنها بطرق شتى، وهو في ذلك يسعى لتحقيق اعتراف الآخرين به وبهويته، ويسعى كذلك إلى تحقيق الاحترام أو الهيبة أو الهيمنة أو الشفقة..إلخ. من الحاجات النفسية والاجتماعية. وكان ماسلو Maslo قد جعل من حاجة الإنسان في “تحقيق ذاته” حاجة أساسية تتوج حاجاته الأخرى من أمن وغذاء وكساء وانتماء، مما يدلل على أنها حاجة للأفراد في المجتمعات المتقدمة، التي استطاعت تحقيق الوفر والإشباع في الحاجات الأخرى الأكثر حيوية. أما كلود ليفي شتراوس فقد أوضح في الكثير من مقالاته هذه النزعة لدى الثقافات البشرية، يقول شتراوس: فإلى جانب الفروقات الثقافية التي تعود إلى الانعزال، هناك الفروقات التي لا تقل أهمية والتي تعود إلى التجاور: الرغبة في المناوأة، وفي التميز، وي تأكيد الذات). ويبدو أن كل تلك المظاهر هي تعبيرات ما نعرفه اليوم بالهوية. وقد أخذت وسائل الاتصال والإعلام توفر للناس أفراداً وجماعات فرصاً حقيقية للتعريف بأنفسهم وهوياتهم بما يساهم في تحقيق حاجة أصيلة لدى الأفراد والجماعات ألا وهي حاجة تحقيق الذات والتعريف بها وتقديمها للآخرين بهدف
1 – كلود ليفي شتراوس، مقالات في الأناسة، ترجمة: د.حسن قبيسي، ١٩٨٣م، صفحة ١٦٦
كتاب الاعلام الثقافي، د. عزام ابو الحمام، صفحة ٣٢
التفاعل وبهدف إبراز الهوية المتميزة أيضاً. بمعنى لو افترضنا جدلاً أن وسائل الإعلام والمجتمع كذلك ليست بحاجة للقيام بالوظائف الأخرى، فإنها لن تستطيع تجاهل هذه الوظيفة بشكل أو بآخر، مما يدلل على أن هذه الحاجة واحدة من الحاجات الأصيلة للمجتمعات الحديثة وربما القديمة أيضاً. وإن تحقيق تلك الوظائف من خلال وسائل الاتصال والإعلام عادة ما يجري في سياق مشترك أو مختلط، فبعض البرامج المقدمة من قبل وسائل الإعلام تحقق أكثر من وظيفة وتلبي أكثر من حاجة في الوقت نفسه كالترفيه والتثقيف، أو وظائف التنشئة والتربية والأخبار. وهذا ما تميل إليه الغالبية من وسائل الإعلام العامة، أما الوسائل الإعلامية المتخصصة فهي تجعل من اختصاصها الأولوية الأولى دون أن يمنعها ذلك من تقديم نسب صغيرة محددة من وظائف واهتمامات أخرى كالإذاعات الإخبارية التي تقدم البرامج الدعائية أو الأفلام الوثائقية أو المواد الإرشادية في مجالات شتى.
كتاب الاعلام الثقافي، د. عزام ابو الحمام، صفحة ٣٣