علاقة عضوية تلك التي تربط بين اللغة والفكر، ذلك ان اللغة وعاءالفكر، فلا فكر من دون لغة، ولا لغة من دون فكر، فالمرء يفكر باللغة، وبذلكفأن مستوى الفكر مرتبط بمستوى اللغة التي يفكر بها المرء، فإذا ما أصاب اللغة خلل ما، فأن ذلك الخلل ينتقل تلقائيا الى الفكر، وعليه فأن الأمة التي تنحدر لغتها يتراجع فكرها، وبالتالي يتعذر عليها الابتكار وحل المشكلات التي تتعرض لها، فضلا عن تدني ثقافتها وصعوبة تواصلها ومواكبتها للثقافات الأخرى، وبذا فأن الارتقاء بالأمة لابد ان يكون مدخله لغويا، وهذا ما دعا الأمم المختلفة الى ايلاء لغتها عناية بالغة.
كما ان اشتراك أبناء الأمة في اللغة يؤدي الى وحدة في تفكيرهم ومشاعرهم،فضلاً عن إيجاد حياة فكرية وعاطفية مشتركة، وما يتبع ذلك منتكوين مفاهيم ونظرات موحدة إزاء الأشياء، الامر الذي يقود الى انصهارهم في حدة خاصة مميزة تسهم بفاعلية في تكوين هوية الأمة وشخصيتها ، ذلك ان اللغة مرآة تعكس سايكولوجية الأمة بما تتسم به من خصائص فكرية ونفسية واجتماعية، لهذا قيل ان اللغة هي (الوطن العقلي للأمة).
اللغة في الإعلام هذه المنطلقات الفكرية المهمة يفترض ان تكون حاضرة في أذهان القائمين على المؤسسات البنيوية التي تقع على عاتقها مهمة بناء ثقافة المجتمع بضمنها الارتقاءبلغته، بخاصة ان نقل الثقافة من جيل الى آخر او من ثقافة الى أخرى عبر التواصل الثقافي لن يتم بشكله المتكامل الا عبر اللغة.
وتشكل وسائل الاتصال الجماهيرية (التلفزيون، الراديو، الانترنيت ، السينما، الكتاب، الصحافة المطبوعة) بوصفها واحدة من ابرز المؤسسات البنيوية أداة فاعلة في تطوير اللغة وإنمائها، لما تتسم به هذه الوسائل من قدرة كبيرة على التأثير، ومخاطبة شرائح اجتماعية واسعة، فضلا عن إمكاناتها على تجاوز معيقات
الإعلام في البيئات المتازمة – جليل وادي حمود – صفحة ٩٦
الاتصال التقليدية، لذلك عول المعنيون باللغة والثقافة كثيرا على هذه الوسائل، لاعتبارات كثيرة منها ما يتعلق بأن اللغة اللفظية مازالت الوسيلة الأكثر استخداما في العملية الإعلامية. وبالرغم من ان وسائل الإعلام العراقية تشهد نمواً متسارعاً، الا ان تراجعاً واضحاً بدا في عنايتها باللغة الى درجة ان الكثير منها لم تشغل اللغة مساحة واضحة من اهتمامها، مع ان سوء استخدام اللغة الذي تمظهر بأشكال مختلفة يقود الى عدم اكتمال دائرة العملية الاتصالية بالشكل الأمثل، وان كان ظاهر العملية يوحي بان الاتصال قد تحقق، فالقائم بالاتصال غالبا ما يجهل الكيفيات التي جرى من خلالها فك رموز الرسالة الاتصالية، ولا طبيعة ادراكات الجمهور للمضامين المرمزة باللغة اللفظية. كفاءة الرموز وعلى هذا فأن النجاح في تحقيق أهداف الاتصال يتوقف على كفاءة الرموز المستخدمة وقدرتها على نقل دلالات بعينها، وان استخدام رموز اللهجات مثلا اقل كفاءة من رمز اللغة الأم، وبذا فأن إهمال رموز اللغة الأم يجعل الرسائل الإعلامية تنطوي على دلالات غير تلك التي يقصدها القائم بالاتصال، ما يعني ان فكرة الرسالة او مضمونها لن يفهمها الجمهور بدقة وان وصلته الرسالة، فوصول الرسالة يعني بأي حال من الأحوال إدراك مضامينها، ولاشك ان الخلل يكمن في شكل الرسالة، أي في مجموعة المفردات والعبارات المستخدمة.
لا واذا كانت الرسالة هي الوسيلة كما يقول عالم الاتصال ما كلوهان، فأن الخلل الذي تتعرض له الرسالة في صياغاتها والرموز المعتمدة، ينعكس تلقائيا على الوسيلة، وبالتالي تبقى الوسيلة تمارس شكلا اتصاليا فارغا من محتواه، وهذا ما يكشف تعثر تحقيق البرامج الثقافية التي تطمح بعض وسائل الإعلام إكسابها الى الجمهور.
الإعلام في البيئات المتازمة – جليل وادي حمود – صفحة ٩٧