تفيد بعض الأدبيات أنه لم يكن للرأي العام دور هام ومؤثر على صنع القرار
في العالم قبل وأثناء الحربين العالميتين، ويبدو ذلك في الولايات المتحدة على وجه الخصوص. فلم تعرف حينها ردة فعل الشعب الأوربي أو الأمريكي على فضائع حكومة هتلر، كما لم يستطع الرئيس روزفلت أن يحشد الرأي العام الأمريكي لتأييده إلا بعد أن تعرضت الولايات المتحدة نفسها للغزو المباشر، ولم تتشكل قوة الرأي العام الأمريكي أثناء حرب فيتنام، إلا حين أدت الوسائط الإعلامية(خصوصا التلفزيون) حينذاك دورا حاسما في نقل الرأي العام المحلي والعالمي حول الحرب.
وقام جورج غالوب (George H.Gallup) بأول استطلاع عالمي للرأي، عام
١٩٧٤م، استطاع من خلاله أن ينقل رأي ثلثي سكان العالم، و 90٪ من شعوب الدول التي سمحت له بإجراء المسح الاستطلاعي، وركز في استطلاعه على جوانب معينة، تهدف إلى معرفة وتحليل رأي الأفراد للبيانات المتصلة بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية).
لا تجري عملية غسل الأدمغة في الانظمة الاستبدادية كما الديمقراطيات الغربية حيث أن الإملاء الفوقي في الاستبدادية لا تراه ظاهرا في الديمقراطية بل هناك تابوهات متفق عليها وان أي مساس بها سيجعل صاحبها في دائرة النسيان والتهميش بوسائل مختلفة.. إن أي مناقشة علنية في وسائل الإعلام الغربية كالـ B.B.C وال CCN ومن يتبع أسلوبها كالعربية والجزيرة وسائر الفضائيات النفطية ستحسبه انه قمة تعدد الرأي ولكن في حقيقة الأمر يجري عزل العديد من الآراء التي تمثل جهات
الاعلام والمجتمع – الاستاذ عزام أبو الحمام – صفحة ١٦٢
مختلفة وصاحبة لرأي اقرب إلى المتغيرات الحقيقية والمؤثرة في موضوع النقاش، وهذه السيطرة من بعيد هي أكثر تأثيرا وعمقا من السير وفق منهاج خطي ومفروض بوسائل الترهيب والترغيب في الأنظمة الاستبدادية(1).
وفي الدول الديمقراطية المتقدمة، فإن سمات الرأي العام تختلف كثيرا عنه
في المجتمعات النامية في السمات التالية :
1- الرأي العام في الدول المتقدمة يسير ويتأثر بالقوى الكبرى المنظمة
كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وخصوصا المعارضة.
۲- وسائل الإعلام في الدول الديمقراطية تقوم بمناقشة القضايا التي تهم الرأي العام بهامش حرية أكبر وتساهم في إنضاج الرأي العام على أسس موضوعية وهي تتمتع بتأثير أكبري توجيه الرأي العام منه في الدول النامية.
٣- يكون القضاء فاعلا في الحالات التي يجري فيها بعض الإشكاليات في
الرأي العام والإعلام، حيث يمكن لبعض الجهات المتضررة اللجوء إلى القضاء لوقف بعض القرارات أو للحصول على بعض القرارات التي تندرج في نطاق التعبير عن الرأي أو احترام الرأي والتعبير عنه.
٤- لا يحق للحكومة التدخل المباشر في توجيه الرأي العام إلا بالقدر المسموح
به للجهات الأخرى من معارضة أو منظمات مجتمع مدني.
٥- يتصف الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية بالمأسسة إلى حد كبير
حيث يقاد ويتبلور في مؤسسات مدنية أو سياسية حزبية أو برلمانية أو ما شابه ذلك، وكثيرا ما يجري ترجمة هذا الاتجاه إلى قرارات وسياسات تلزم
أصحاب القرار أو على الأقل تؤخذ بعين الاعتبار في حالة اتخاذ السياسات ذات العلاقة.
الإعلام والمجتمع – الاستاذ عزام أبو الحمام – صفحة ١٦٣