إن الرأي العام يمثل في مضمونه اتجاه الجماعة نحو القضية موضوع النقاش، إلا أن الاتجاه – اتجاه الجماعة – له من الخصائص ما يميز فردا عـن آخـر أو مجموعـة مـن الأفراد عن المجموعة الأخرى. وحاول العلماء والباحثون في مجـال الـرأي العـام وضـع عـدد مـن الخصائص الشاملة للرأي العام، لكنهم وجدوا، أن دراسة هادلي كانتريل) Hadley Cantril – التي نشرها في كتابه قياس الرأي العام Gauging
Public Opinion، وضمنها مجموعة
من القوانين التي هي بمثابة ميول Tendencies، وحـدد مـن خلالها السمات المميزة للرأي العام بعد عشر سنوات من البحث والاستقصاء في المجتمع الأمريكي – تعد مـن أهـم الدراسات التي تناولت خصائص الرأي العام، ممـا دعـا معـظـم البـاحثين والمتخصصين في مجالات الإعلام والرأي العام، للاستعانة بما وصفه كانتريل بـ «قوانين الرأي العام». ويتأثر الرأي العام بمجموعة من العوامل النفسية والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والتربوية، قبل أن يتبلـور بـشكله النهائي.
محمد حسين، 1997، مصدر سابق، ص 30.
د. صلاح مذکور ، مصدر سابق، ص 137- 146.
د. سمبر
د. محمد منير حجاب، مصدر سابق، ص 59.
د. جمال مجاهد ، مصدر سابق، ص 44.
كتاب الرأي العام – عوامل تكوينه وطرق قياسة – أستاذ عبد الكريم الدبيسي صفحة – 81-
وظائف الرأي العام
يجمع الباحثون والخبراء المتخصصون في العلوم السياسية والإعلامية، على أن الرأي العام لا يستطيع أن يعمل ويؤدي وظائفه إلا من خلال مناخ ديمقراطي يتيح الفرصة للرأي والرأي الآخر، من أجل تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع. إن النظم الديمقراطية هي البيئة الملائمة للتعبير عن الرأي العام، الذي يمثل قـوة فاعلة في المجتمع تؤثر تأثيراً مباشراً على توجيه وتحديد العملية السياسية والمشاركة فيها، سواء عن طريق وسائل الإعلام أو عن طريق المؤتمرات والندوات، أو عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة النزيهة التي يعبر فيها الرأي العام تعبيراً صـادقاً . عن الإرادة الحقيقية للشعب دون تزييف، حينئذ تستطيع الديمقراطية أن تزهر ويتقدم المجتمع، لأن
الرأي العام هـو الأساس الذي تنطلـق منـه السلطة السياسية، وعليـه تقـوم كـافـة مؤسساتها.
أما في بعض البلدان النامية أو الدول غير الديمقراطية، فتحاول السلطة السياسية الحاكمة فرض هيمنتها على المجتمع، عبر إنتاج خطاب سياسي معين تقوم مـن خـلالـه
كتاب الرأي العام – عوامل تكوينه وطرق قياسة – أستاذ عبد الكريم الدبيسي صفحة- 84 –
بعملية إعادة تشكيل اتجاهات الرأي العام، بما يتوافق أهدافها وسياستها، وتسيطرالسلطة الحاكمة على الرأي العام عبر وسيلتين هما: القمع والإقناع.(1) ولا يحظى الرأي العام المعبر عن إرادة الشعب، باهتمام الحكومات في تلك
البلدان، التي لا تضع في حسبانها اعتباراً لاتجاهاتـه إزاء مختلف القضايا، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو عنـد إصـدار القوانين والتشريعات الجديدة، ووضع برامج وخطط التنمية، وهي تملي على الرأي العام سياساتها القسرية في أغلب الأحيان. إن الرأي العام هو الذي يضع القوانين للجماعة أو الأمة، وهـو النسيج الـذي تصنع منه القوانين في المجتمع الحر الديمقراطي، فليست القوانين إلا تعبيراً عن رغبـات الرأي العام، وضماناً للنظم الاجتماعية، والمثـل الأخلاقية التي يؤمن بها الجميع ويسعون إلى تحقيقها والمحافظة عليها.
وتستخدم كلمة الوظيفة في دراسة الرأي العام بمعنى النشاط المترتب على علاقة الرأي العام بالنظام السياسي، وما يرتبط به من مؤسسات وجماعات وأفـراد.(2) و وبعـد أن يتشكل الرأي العام لدى مجموعة من الناس، أو لـدى قاعـدة عريضة، يصبح تأثير، أو ما يمكن أن نسميه الاعتناق، أو التبني لهذا الرأي. وعملية التبني أو الاعتناق هذه تؤدي إلى تحقق بعض الوظائف في علاقات من يعتنقون الرأي مع الحكومات، أو المجتمع.
(1) د. حامد قويسي، مصدر سابق، 184.
(2) د. محمد منير حجاب، مصدر سابق، ص 42.
كتاب الرأي العام – عوامل تكوينه وطرق قياسة – أستاذ عبد الكريم الدبيسي صفحة – 85-