ان الرسائل التي تقدمها وسائل الاعلام هي رسائل مصاغة اي ان هذه الوسائل لاتنقل الاحداث كما هي وانما نقوم بصياغتها واعطائها لونا مناسبا ومن ثم تقديمها للمتلقي مما تسهم اسهاما فعلا في تقديم صور ذهنية معنية لهذه الاحداث في عقول الافراد واهم هذه الاساليب هي
اولا: انتقاء الاحداث والمعلومات
ان توجيه وسائل الاعلام للمعلومات هي احدى اهم الطرائق المؤثرة في تكوين الصورة لدى امة عن امة اخرى وان هذا التاثير مهم عندما نعلم انه تكتب كل يوم في
كتاب قضايا إعلامية معاصرة – أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة -220
العالم أكثر من مليون كلمة اعلامية، لا يتسلم منها القارىء أكثر من نصف بالمائة، وأماما تبقى من هذا البحر من المعلومات الاخبارية فيخضع لتغيير ضخم وأن القائمين على هذه المعلومات العامة هم الذين يجرون هذا التغيير، وهؤلاء القائمون هم الحكومة والنخب الحاكمة في وسائل الاعلام، الذين يختارون مـن بحـر المعلومات الواردة ما يناسب اهتماماتهم ويخفون ما لا يريدون نشره وتوزيعـه وعملـة اختيار المعلومات لتكـويـن الـصـور عـن أمـة لـدى أمـة هـي عمليـة مهمة لأن هـذه المعلومات يختارها القائمون بحسب أهوائهم السياسية، الأمر الذي يزيـد مـن ترسيخ الصور الذهنية السابقة عن تلك الأمم.
وينتقي الإعلام الغربي من بين أطنان الأخبار اليومية ما يروق له نشره والتركيز عليه، وهو ينقل عـن بـلـدان العالم الثالث – على سبيل المثال – مـا يؤيد النظـرة الأمبريالية إزاء هذه الدول، وبكل ما من شأنه إعطـاء صـورة سلبية عنها. وتركز وسائل الاعلام الصهيونية في انتقائها للأخبار على تلك التي تبرز معاناة اليهود، والتي تظهرهم بأنهم محبون للسلام وما الى ذلك من الأمور، وتتجاهل الأخبار والأحـداث التي تظهر معاناة الشعب الفلسطيني. والكثير من دول العالم كانت تتجاهـل الوجه الآخـر للحصار الاقتصادي
المفروض على العراق منذ عام 1990، وكانت تركز على الأحداث التي تظهر العـراق كدولة تهدد الأمن العالمي. الى أن أبرزت بعض المحطات الفضائية العربية، الجانب الانساني للحصار وأوضحت وجهة النظر العراقية، ولا سيما محطـة (الجزيرة)، الفضائية والتي أدت الى مزيد من الوضـوح في المشهد الاعلامي، فظهـرت اصـوات تنتقد أمريكا في كل من أبو ظبي وصنعاء والخرطوم. إن ما نسميه خبراً هو انتقاء ما لأحداث يوميـة، ومـا ينتقـى كـخـبر إنما هو في الغالب حدث جديد يمكن تأويله وفق أطر تأويل قديمة، فالأخبار هي تأكيـد لمـاهـر قدیم أما ناشرو الاعلام ومالكوه فإنهم يفسرون عملية الانتقـاء بـأنهم يريدون أولا وقبل كل شيء البقاء في عالم التنافس، يريدون الانتشار السريع، ولذلك فهم يريدون
كتاب قضايا إعلامية معاصرة – أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة -221-
تقديم الأخبار المألوفة والشعبية والمدهشة والمفهومة عند فئات عريضة من الجمهـور، وقد تكون لهذه الدوافع التي تبدو في الظاهر غير سياسية آثار سياسية مختلفة في الحيـاة العملية لأن هذه الأخبار الشعبية والمألوفة قد تكون أخبارا تعزز الصور الثابتة لبعض الجماعات. يتضح لنا مما سبق أن الدول تقوم بانتقاء الأخبار والمعلومـات الـتي تـؤدي الى تكوين صور معينة مناسبة لمصالح النخبة السياسية والنخبة المالكة لوسائل الاعلام، وتتجاهل بعض الأحداث بالشكل الذي يؤدي الى غيابها تماماً من عقول الناس ومـن ثم عد هذه الحقائق غير موجودة.
ثانيا : تلوين الحقائق وتحريفها
لا تكتفي المؤسسات الاعلامية بانتقاء الأخبار التي تصب في مصلحتها وتجاهـل حقائق أخرى، بل تلجأ الى تلوين الحدث نفسه وتحريفه مـن أجـل أن يعـرض ويفسر وفقاً لمصلحة الوضع القائم. وتلوين الخبر هو تعمد ابراز وجـه خـاص منـه واخفـاء وجه، وقد يؤدي الأمر ببعض الصحف الى تشويه الخبر واختيار ما لا يؤدي اليه الخبر المنشور وإبرازه على أنه المعنى المقصود مـن الخـبر ، ويؤدي هـذا التلوين بـدوره الى تكوين صور ذهنية خاطئة عن الأحداث في أذهان المتلقين. فهناك الكثير من الأحداث التي تقع في العالم تتحمل تفسيرات عديدة ووجهات نظر مختلفة، فعندما قامت الطائرات الأمريكية بـضـرب مـدينتي طرابلس وبنغازي في ليبيا علم 1966، نرى بوضوح أن وسائل الاعلام في دول أوروبا الشرقية والإتحـاد السوفييتي وصفت الغارة بأنها خرق كيفي للقانون الدولي من جانب قوة عظمى : أي أن الصورة التي نقلتها عن الحدث كانت اعتداء دولة عظمى على دولة عضو في الأمم المتحدة، بينما نجد الحدث نفسه يجري تفسيره في وسائل الاعلام الغربيـة بتفسير آخـر مختلف تماماً فقد أوحت هذه الوسائل بأن الغارة الجوية كانـت عمـلاً للدفاع عـن النفس، وأشارت الى دور ليبيا في أعمال الارهاب الدولية
كتاب قضايا إعلامية معاصرة – أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة -222-
وتبرز جوانب عديدة من التحريف المتعمد الذي يمارسه الاعلام العربي في نشر الأخبار أن هناك أموراً سياسية خطيرة تحدث في العالم الذي نعيش فيه، ولكن الأخبار تقدم نسخة أخرى من الحدث الفعلي تتلقى وكالات الأنباء العالمية الأخبار، ثم تحملها تفسيرات وقيمـا تتناسب مع توجهاتها الايديولوجية ثم تقوم بتوزيع هذه الأخبار على المشتركين فيها وتستقى معظم دول العالم أخبارها من هذه الوكالات العالمية، وهذا التعرض المستمر لتحريـف الواقع الذي تقدمه وسائل الاعلام عبر الكلمـة والـصورة سيؤدي الى أن تنمـو مـع
الناس قيم واتجاهات وصور ذهنية مزيفة عن الواقع مـن أجـل تحقيـق منـافع أولئـك المتحكمين بوسائل الاعلام سياسياً واقتصادياً
ثالثاً : استخدام عبارات ومصطلحات خاصة
اللعنة. لقد كان لدور الكلمات والمصطلحات في تشكيل التفكير والسلوك دور مهـموقد لا تعبر الكلمات التي يستعملها الناس عن أفكارهم فقط، بل تشكلها أيضاً، وأن الكلمة أقوى عقار استخدمته البشرية في التاريخ على الاطلاق .. ووسائل الاعلام تقدم للمتلقين عالماً معيناً مصنوعا مـن الكلمات، ويراهن علـى عـادات المتلقين في الاعتقاد أنه حيث توجد الكلمات، هناك وقائع تقابلها، وهكذا تطلق وسائل الاعلام الصهيونية تسمية (حرب الاستقلال) عندما تتحدث عن استحواذها على فلسطين عام 1948م، وتطلق تسمية (السلم للجليل) على غزوهـا للبنـان عـام 1982 م وتطلـق وسائل الاعلام الغربية عبارات مثل (الخطر الذي يهدد الأمن والسلم الـدوليين) أو (الخروج على القانون الدولي) أو (القوة المدمرة) على كل محاولات التحرر الوطني والبناء الاقتصادي ولحظات التأميم الكبرى التي تقوم بها بعض الدول النامية – إن استخدام هذه الكلمات والعبارات يـوحـي بـالكثير مـن المعـاني والـصـور الذهنية الخاطئة التي تتناقض كليا مع الواقع، ولكنها أصبحت متداولة في الغرب، إذ أقحمت في العقول وانقلبت الى حقائق، ونظراً لأهمية دور الكلمات والعبارات في الاشارة الى الحقائق فقـد طـالـب اللـوبي اليهودي في واشنطن (أيبـاك) الصحفيين الأجانب ومؤيدي الكيان الصهيوني في بيان له بعدم استخدام ثلاثـة مصطلحات في
كتاب قضايا إعلامية معاصرة – أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة –
223-
الاعلام عن مدينة القدس، وهـي (القدس المحتلـة عـام 1967) و(القدس الشرقية) و(مستوطنة أبو غنيم) واستخدام مصطلح (ضاحية هـور حومـا الجديدة في القدس) بدلاً من ذلك
رابعاً : التركيز على أحداث معينة
تشير نتائج الدراسات الاعلامية الى أن الرسائل التي تكرر بتنويع يتذكرها الفرد أكثر من غيرها ، ولكي لا يمل الناس من هذا التكرار فإنها تلجأ إلى تنويع المضمون نفسه بأشكال مختلفة، وقد اتبعت الصهيونية استراتيجية واضحة المعالم ترمي الى تشويه صورة العرب وهي تقوم بدعم هذه الصور السلبية باستمرار، فعندما قامت السلطات السعودية في عام 1977 بتنفيذ حكم الاعدام بشابة سعودية أرادت أن تهرب مع شاب بريطاني إلى الخارج، نشر الاعلام الغربي هذه الحادثة باسهاب، ثم قـام منتج يهـودي بتحويله الى فلم سينمائي عرض في معظم الدول الغربية في عام 1980، ولقـد غـذى هذا الفلم الصور النمطية السلبية الموجودة عن العرب في الغرب، والحقيقة أن هـذا الفيلم ليس أكثر من تكرار (صورة العرب السلبية) في أذهان الغرب، ولـو كـان هـذا الحادث قد وقع في بلد آخر (غير عربي ومسلم) لما احتـل أدنى اهتمـام مـن وسـائل الاعلام الغربية. وله وفي الاتجاه نفسه اهتم الاعلام الغربي بكاتب هندي الجنسية مسلم الديانـة هـو سلمان رشدي لمجرد اصداره کتاب يسيء إلى الاسلام، لترسيخ صورة الاسلام السلبية لكن هذه المرة بصيغة وشهد شاهد أهله، ونلاحظ أن الاعلام لا يترك أي حادثـة تقع في الدول العربية والاسلامية الا ويقـوم باستغلالها اعلامياً ليجـدد مـن خلالها الحديث عن العرب بشكل سلبي. من لقد أصبحت وسائل الاعلام العالمية في الوقت الحاضر هي التي ترسم للشعوب منهاج حياتها، وبدأت احتكارات وإمبراطوريات إعلامية بممارسة هذا الدور وصياغة الرأي العام العالمي، وصناعة الصورة للافراد والشعوب … إن الرأي العـام العـالمي يتحكم فيه اليوم عدد قليل من مثل : روبرت مردوخ (الذي يمتلك مئات الصحف في
كتاب قضايا إعلامية معاصرة – أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة -224-
مختلف انحاء العالم بالاضافة الى العديد من محطات الاذاعة و التلفزيون في استراليا و اليابان وتيد تيرنز صاحب قناة cnn الامريكية، ودفعت الانترنت ثورة المعلومات الى افاق جديدة من خلال الربط الكبير لملايين الحواسيب في كل انحاء العالم في شبكة واحدة وشبكة الانترنت تخاطب الفرد اولا قبل ان تخاطب الجماعة وهي تتعامل معه بشكل مباشر بغياب الرقابة المفترضة على المعلومات المقدمة ولذلك يكون التاثير اكبر عندما يكون الفرد معزولا عن محيطة الاجتماعي او مرجعيته الثقافة او الاجتماعية او الفكرية
كتاب قضايا إعلامية معاصرة – أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة -225-