وتساهم وكالات الأنباء في عملية العولمة منذ القرن التاسع عشر. فمع انتشار الكهرباء انتشرت الأخبار في كل انحاء العالم. مع ان العلاقة بين الوكالات المحلية والعالمية ساهمت في تطوير المدنية الحديثة إلا ان بوادر الانفصال بينها بـدأت مبكـرا. درجت العادة ان تجمع الوكالات المحلية الأخبار وتوزعها في دولهـا. لكـن القليـل مـن الوكالات المحلية عملت في الخارج ومنها وكالة الأنباء الألمانية و الاسبانية استخدمت الوكالات العالمية في القرن التاسع عشر نهج الاحتكار، فكانت تبيع الأخبار إلى الوكالات المحلية التي كانت تقدم اخبارها للوكالات العالمية دون مقابل. ولاحقا تمكنت تلك المحلية من بيع اخبارها إلى بعض الوكالات العالمية. لكن ذلك كان محصورا جدا لان الفصل بين الوكالات العالمية والمحلية كان ما يـزال قائمـا حـتـى عـام ١٩٧٠ . و في القرن التاسع عشر اتجهت موازين القوة بين الوكالات العالمية والمحليـة لصالح العالمية. وعليه انهارت بعض الوكالات المحلية وبقاء الاخريات كان محل شك.
شهدت الفترة ما بعد عام 1990 وحتى بداية القرن الواحد والعشرون تغيرات في نظام الأخبار العالمي ليصبح اقل انتظاما و توقعا. ودخلت الوكالات العالمية في ازمـة مع ذاتها ومع وكلائها.
كتاب قضايا إعلامية معاصرة أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة – ١٦٦
لم تكن عملية البيع بالجملة او بالتجزئة مسالة ذات أهمية حتى ظهـرت شبكة CNN التي راحت تجمع الأخبار من الوكلاء وتبيعها لهم عبر الساتلايت او الاقمار الصناعية، والان عبر الإنترنت. لم تتنبه النقابات الصحفية لهذا التهديد في البداية، كما انها لم تفد من تكنولوجيا الإنترنت الذي صار يشكل تهديدا لقيمـة الأخبـار وطـريـق تقديمها. فصارت تصل إلى الناس من دون الحاجة إلى الوسائل الإعلام التقليدية. صحيح ان الإنترنت فتح اسواقا جديدة للوكالات ولكنـه ايـضـا فتح بابا قويا للمنافسة، فراحت الوكالات ومواقع الأخبار الالكترونية تقوم بجمع الأخبـار وبيعهـا على نطاق واسع لتفي بمتطلبات الجمهور اينما كان. قليلة هي الوكالات التي يمكن وصفها على بالعالمية. فحتى منتصف التسعينات كانت الوكالات الخمس الأولى هي “فرانس بريس وأسوشیتید بریس و رویترز وتـاس واتحاد الصحافة العالمي ولكن لم يبقى سوى رويترز واسوشيتيد بريس ويمكـن القـول ایضا فرانس بريس اما الآخريـان فقد تراجعت بقوة. لقد اثـر الجـدل بين نظـام الاحتكار واتحاد سوق الوكالات من جهة وبين منافسة الدولة ومؤسسات الإعـلام و من جهة اخرى على استقرار الأنباء العالمية كما اثرت العولمة علـى جـودة الإعـلام المحلي وقوته.
كتاب قضايا إعلامية معاصرة أستاذ دكتور عبد الرزاق الدليمي صفحة – ١٦٧