تمتلك وسائل الاعلام بالتحالف مع السياسيين قدرة كبيرة على تزييف وعي الناس من خلال مايمتكله النظامين السياسي والاعلامي من قدرات تنظيمية هائلة قياسا الى عموم الجماهير التي تتصف بانعدام التنظيم وضعف التماسك وبسبب ان تزييف الوعي لايتم بغير تواطؤ وتوافق بين النظامين في المجال السياسي خصوصا فاننا هنا سنستخدم تعبير الاعلامي السياسي للاشارة الى ذلك التواطؤ ولصعوبة الفصل ايضا مابين منتجات النظام الاعلامي والنظام السياسي، وان هذه الوسائل ايضا توقم بدور خطير في تزييف الوعي الجماعي للجماهير من خلال تواطئها مع الجهات السياسية التي تضع نصب اعينها هذا الهدف حفاظا على مصالحها كفئة حاكمة او مستفيدة من زيف الوعي بقضايا المجتمع السياسية وقد اكدت معظم الدراسات الميدانية دور مختلف وسائل الاعلام فينشر الوعي وعلى النقيض من ذلك تزييف الوعي
كتاب المشهد الاعلامي وفضاء الواقع، حسن مظفر الرزو ورفاقه، صفحة ٧٠
وتتنوع الاساليب والتكتيكات الاعلامية السياسية في تزييف الوعي وفيما يلي اشارة الى اهمها
اسلوب التكتم التام: وكان مثل هذا الاسلوب كثير الاستخدام قبل ثورة الاتصالات حيث كان من الممكن حماية الفاءات و الحدود من النشر القادم من الخارج عبر الرقابة بمختلف اشكالها في هذه الحالة تعمد السلطات الى منع نشر بعض الانباء او المواد الاعلامية والثقافية وتمنع وسائل الاعلام المحلية من نشرها ايضا حتى ولو حاولت ذلك وكان مثل هذا الاسلوب معروفا في الانظمة الشمولية كنظام الاتحاد السوفييتي السابق والنظام العراقي السابق ونظام طالبان في افاغنستان والاحتلال الاسرائلي في قضايا تتعلق بالصحف العربية الصادرة هناك وبعض القضايا التي تصنف في دائرة الامن والسرية ومن خلال هذا الاسلوب استطاع الكثير من الانظمة الحاكمة تجنب غضبة الجماهير او الاحزاب المعارضة او حتى الدول الاخرى المعادية مثلما تقضي قوانين بعض الدول بمنع نشر اي وثقائق تصنف بانها بالغة السرية قبل مضي اربعين عاما او يزيد على هذه الوثقائق
اسلوب التكتم الجزئي: يضظر السياسيون احيانا لنشر بعض الجوانب او العناصر الجزئية لوقائع اكبر او اكثر شمولا في الحالات التي يتضمن فيها الخبر او الواقعة جوانب ايجابية من وجهة نظر السياسي او الاعلامي فان هذه العناصر او الجوانب تاخذ طريها الى النشر وربما الاشادة والتضخيم يجري مثل هذا التكتيك في حالات كثير منها نشر معاهدات واتفاقيات سياسية او غيرها في حين يجري التكتم على ملاحق وبروتكولات تصنف بالسرية لتجنب ردود الافعال والتداعيات السلبية لخبر واسلوب التكتم الجزئي هو عادة اكثر الاساليب استخداما في العمل الاعلامي اذ ان بعض الاعلاميين مثل اسياسيين ايضا يجعلون من انفسهم حراس بوابة فيمنعون ويسمحون وفق عباراتهم المعقدة الكثيرة من المعطيات السياسية التي تخدم تعزيز اتجاهات معينة ترغب بها الجهات الاعلامية السياسية وعادة ما يمثل رئيس التحرير دور حارس البوابة للسياسيين والاعلاميين تكمن خطورة هذا العم في ان الاخبار والتحليلات اليومية المحلية منها والوطينة تخضع لهذا التكتيك فاذا ما تخيلنا حجم المواد السياسية التي يجري نشرها او بثه وفق رؤيا احادية فانه يمكن ايضا تخيل او توقع الاثر البالغ الذي يمكن اني يقع على وعي الجماهير عبر سنوات من البث او النشر
الاسلوب الانتقائي: يقضي هذا الاسلوب بانتقاء منظومة الاخبار والتحليلات السياسية التي توافق الاتجاه الرئيسي للجهات الاعلامية السياسية المتنفذة و وجه المخادعة يتمثل في ان الوسيلة الاعلامية تنشر مواد اعلامية حقيقية او موثقة كالتقارير الميدانية مثلا لكنها ايضا تغفل عن قصد نقل اخبار ومواد اخرى ميدانية في عمليات الانتخابات مثلا في بعض دول العالم الثالث يمكن صناعة تقارير حقيقية عن جماهير غفيرة تختلف بفوز احد المرشحين ويمكن تعزيز التقرير بتحليلات محللين كبار او ترصريحات لشخصيات سياسية واعلامية كبيرة بالقدر نفسه الذي يمكن فيه ايضا التكتم على الاحتجاجات الشعبية او الحزبية الواسعة التي اثيرت حول الموضوع او من خلال التقليل من اهميتها باساليب ايضا عديدة والمفارقة ان وسيلة اعلامية اخرى قد تجعل من نفس الواقعة الانتخابات مثلا خبر معاكسا على الاطلاق اذ يمكن لاحد التقارير الميدانية المعززة بالتحليل والاحصائيات ان يواصل المتلقي الى انطباع ان الانتخابات كانت غير سليمة وغير ديمقراطية، ان الاسلوب الانتقائي هو اللعبة او التكتيك الاكثر ذكاءا وخداعا في اللعبة السياسية والاعلامية على الاطلاق وهذه الحقيقة تتاتى من كونه اسلوبا تكتيكيا يكاد ينطبق على مختلف المواد الاعلامية اليومية وتتزايد خطورة الموضوع من كون تحول العمل الاعلامي الى مهنة احترافية عالية التقنية خصوصا تلك التي تعتمد الكاميرا اي التلفزيون والانترنت وكذلك كالصورة المطبوعة فاذا ماضافنا على ذلك حقيقية ان العمل السياسي هو ايضا مهنة احترافية تعتمد على الكثير من فنون الاتصال يتبين لنا كيف يمكن لتحالف او تواطؤ الاعلام والسياسية ان يحولا الاسود الى ابيض والابيض الى اسود من اجل الوصول الى الاهداف المبتغاه
اسلوب التاويل و التضليل: تضطر وسائل الاعلام كما السياسيون ايضا الى نشر بعض المعطيات السياسية او الاقتصادية و اسباب ذلك كثيرة منها معرفة الجماهير بها في الواقع كالازمات البرلمانية او السياسية عموما او الحروب او المعارك او الحوادث الكبرى كغرق سفنية ركاب او تحطم طائرة ومنها ايضا قيام وسائلا اعلام خارجية بنشر الخبر او حتى توقع ان تقوم وسائل نشر اخرى بنشرها ولذلك يعمد السياسيون والاعلاميون الى تقديم روايتهم الخاصة للحدث ومزج ذلك او الحاقة بالتفسير الخاص للحدث لقطع الطريق على الروايات لاخرى المحتملة او الواقعة فعلا، الخداع والتضليل قد لاياتي في نطاق سرد وقائع او معطيات الحدث ولكنه قد يتخلل التحليل والتعليق بحيث يجري احيانا كثيرة اقناع نسبة كبيرة من المتلقين بالتحليل المقدم لان الكثير من المتلقين اما هم غير معنيين بالتنقيب و المتابعة او انهم غير قادرين عليه مما يعني ان الرواية المقدمة هي الرواية الرئيسية في حين ان الروايات الاخرى قد يجري تصنيفها على نطاق الروايات المعارضة او المشككة او الاثنيوية
اسلوب الاغراق بالمعلومات: على النقيض من الاسلوب الاول الذي ساد في الدول الشمولية والانظمة الدكتاتورية والسلطات الاحتلالية الاستعمارية فان هذا التكتيكي قضي بتشتيت الجمهور وارباكه من خلال دفق المعلومات والصور والبيانات مما يفقد الجمهور القدرة على الاختيار والتمييز والثبات ويعتبر هذا السلوب اسلوبا حديثا تطور مع التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاعلام ويستند الى قاعدة في التراث العربي تقول “اذا بدك تحيرة خيرة” اي ان كثرة الخيارات تؤدي الى الحيرة بحيث يتسنى فرض خيارات معينة او تعزيز فرصتها في الاختيار على حساب غيرها من الخيارات الاخرى ومن الناحية الواقعية فان السياسيين باتوا يعلمون ان الكثير من الاحداث والاخبار من الصعب اخفائها طول الوقت وان تمكنت في اخفائها عن العبض فان بعضا اخر سوف يعلمها وينشرها بطريقته الخاصة او يقدم روايته ولذلك من الافضل ان يقدم السياسيون رواياتهم الكاملة بما يمنحهم الفرصة ايضا لتعدليها وتزيينها او تشويهها ماداموا هم اصحاب الرواية
كتاب الاعلام الثقافي، د. عزام ابو الحمام، صفحة ١٩٩ – ٢٠٠ – ٢٠١ – ٢٠٢